هذا المقال عن الطبيخ، ولكنه خارج المطابخ وبعيد عن توقعاتكم، فهو يتناول بعضا من روائع الكيمياء. وفي البداية لابد من تعريف العصيدة؛ فهي إحدى الأكلات الرائعة المكونة من البر، والتمر، والدبس، والسمن. ومن أسرار تحضيرها استخدام الضغط بأشكال مختلفة لأنها تقدم ناعمة. وجمالها يكمن في سر تحضيرها، وبالذات في فنون «التفغيص»، أي الضغط الشديد لتنتج بشكلها وملمسها السلس الجميل، وروائع نكهتها وطعمها. وهناك العديد من المأكولات التي تعتمد على الضغط في التحضير ومن أشهرها الحمص، والمتبل، و«الهريسة»... وكلها «مهروسة».. يعني أكيد أن تكون الهريسة مهروسة. ومن عجائب الضغط أنه يبرز النكهة، والطعم، والشكل الجميل. وإن أردت أن تبحث في موضوع عجائب الضغط ففضلا أنظر تحت أقدامك الآن.. واذهب إلى أعمق نقطة ممكن أن تتخيلها في باطن الأرض، وتأمل في عجائب الألماس. هذه الأحجار شديدة الصلابة، ورائعة البريق، ومذهلة الصفاء، وهي عبارة عن كربون لا أكثر ولا أقل، يعني يمكنك وصفها علميا بأنها من بنات عم «الهباب» أكرمك الله. ولكنها تعرضت لكميات ضغط رهيبة جدا في باطن الأرض لملايين السنين لتخرج بدرجات جمال تخطف الأنفاس. وإن أردت المزيد من الإعجاز في موضوع الضغط و«التفغيص»، فعليك أن ترفع رأسك إلى السماء الليلة وتتأمل في أسرار النجوم التي تضيء الليل، في كل منها ستجد ما هو أغرب من الخيال ضمن موضوع الضغط الشديد وما ينتج عنه من عجائب. واخترت لكم التالي: العنصر الأكثر انتشارا في الكون بأكمله هو الأبسط في تركيبته، وهو الهيدروجين. ويمثل أكثر من 75 بالمائة من مكونات الكون، وأما الباقي فهو «تفاريق». يعني الكلور، والصوديوم، والبوتاسيوم، والكبريت.. كل هذه العناصر موجودة في الفضاء، وتتكون بداخل النجوم، وكلها بدأت من الهيدروجين بإرادة الله.. فضلا أنظر إلى بريق النجوم وتخيل أن هناك كمية طبخ وضغط في أحشائها يتم من خلاله تحويل عنصر الهيدروجين بمشيئة الله إلى العنصر الذي يليه في ترتيبه الذري وهو الهيليوم، ثم يستمر الضغط الرهيب والطبخ ليتحول بمشيئة الله غاز الهيليوم إلى العنصر الذي يليه وهو الليثيوم، ثم المزيد من الضغط والطبخ في أحشاء النجوم ليصبح عنصر البورون، ثم البيريليوم، ثم الكربون، ثم النيتروجين، ثم الأوكسجين، ثم الفلورين، وهكذا إلى أن يتحول بإرادة الله إلى الحديد فتتوقف التحولات من عند الله. والسر في التوقف عند الحديد هو أن في كل عملية تحول للعناصر من الأخف إلى الأثقل والأكثر تعقيدا بسبب الضغط الرهيب بداخل النجوم، يتم إطلاق كميات هائلة من الطاقة التي «تنعش» النجوم. وأما عند الحديد وسبحان الخالق، فأي تحولات إضافية ينتج عنها نقصان في الطاقة وليس زيادة فيها، ولذا فعنصر الحديد هو الحد الأقصى لتكوين العناصر بداخل النجوم من خلال الاندماج، فضلا تأمل في هذه المعجزات عندما تتأمل في سورة الحديد، وما بعد الحديد، أي للعناصر الأثقل ومثل النيكل والقصدير والفضة والذهب وغيرها، فهي تخضع لمنظومة تكوين أخرى اختارها الله عز وجل للمزيد من الإعجاز.أمنيـــــة:
تخيل عجائب ما ينتج من الضغوط بأشكالها المختلفة، من السفرة الرمضانية الرائعة إلى ما يدور في قلوب النجوم. ولنستثني الضغوط السلبية التي يتفنن في تكوينها البعض بسبب وبدون سبب. أتمنى أن تستمتع بالضغوط الجميلة اليوم وكل يوم، وأن تتذكر أنها بعض من أروع نعم الله علينا..
وهو من وراء القصد.
* كاتب سعودي
تخيل عجائب ما ينتج من الضغوط بأشكالها المختلفة، من السفرة الرمضانية الرائعة إلى ما يدور في قلوب النجوم. ولنستثني الضغوط السلبية التي يتفنن في تكوينها البعض بسبب وبدون سبب. أتمنى أن تستمتع بالضغوط الجميلة اليوم وكل يوم، وأن تتذكر أنها بعض من أروع نعم الله علينا..
وهو من وراء القصد.
* كاتب سعودي